في الفترة الماضية، كانت الكثير من علامات الاستفهام تُطرح حول المسار الذي من الممكن أن تسلكه الأزمة اللبنانية، بالنظر إلى تداخل مجموعة من الملفات الحساسة، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو الخارجي، أبرزها: مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، الانتخابات الرئاسية، الخلافات حول تشكيل الحكومة، التي من المفترض أن تكون الممرر لمنع الوقوع في الفوضى الدستورية والسياسية.
في الأيام الماضية، بات الجميع يتحدث عن قرب التوصل إلى اتفاق على تشكيل الحكومة، حيث من المفترض أن تحسم المسألة بعد عودة رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي من الولايات المتحدة، بالتزامن مع تزايد المؤشرات على الانتهاء من ملف ترسيم الحدود البحرية، نتيجة الضغوط التي تمارس واشنطن للوصول إلى اتفاق في وقت قريب.
ما تقدم يقود إلى معالجة أبرز ملفين كانا من الممكن أن يقودا إلى "المواجهة"، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ"النشرة"، الأمر الذي يؤكد استمرار معادلة منع المس بالإستقرار المحلي، حتى ولو كان ذلك بالحدود الدنيا لأن معالم الفوضى تبرز بين الحين والآخر، وبالتالي يمكن الحديث على أن هناك رغبة دولية في منع إنزلاق لبنان أكثر، لا سيما بعد أن بات جزءاً من أمن الطاقة على المستوى العالمي.
في المقابل، تلفت هذه المصادر إلى أن المعالجة العملية تنتظر الوصول إلى تسوية على مستوى الاستحقاق الرئاسي، حيث الجميع يدرك عدم قدرة أي فريق على فرض توجهاته على الآخرين، وبالتالي الانتهاء من هذا الاستحقاق يتطلب الوصول إلى توافق محلي وخارجي، الأمر الذي لم تظهر معالمه بعد، نظراً إلى أن الجميع لا يزال ضمن مربع طرح المواصفات، من دون الوصول إلى مرحلة الأسماء.
ضمن هذا السياق، من الضروري التوقف عند البيان الفرنسي-الأميركي-السعودي، الذي صدر أول من أمس، نظراً إلى الدلالات التي حملها، سواء كان ذلك في الشكل أو في المضمون، خصوصاً لناحية الدعوة إلى تشكيل حكومة "قادرة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية المطلوبة بشكل عاجل لمواجهة أزمات لبنان السياسية والاقتصادية"، وإلى إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بما يتناسب مع الدستور في لبنان.
في قراءة المصادر السّياسية المطّلعة، لا يمكن فصل هذا البيان عن الحراك السعودي المستجد في المرحلة الراهنة، حيث بات من الواضح أنّ الرياض قرّرت الدخول بكل قوّتها على خط الاستحقاق الرئاسي، من دون أن يعني ذلك قدرتها على الحسم، نظراً إلى أن الأمر مرتبط بالتوازنات الداخلية والخارجية، حيث ترى أن المطلوب اليوم أن تحجز موقعاً لها في التسوية، عبر التعاون مع الجانبين الأميركي والفرنسي.
بالنسبة إلى هذه المصادر، الحديث عن اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، في متن البيان المذكور، هو من البديهيات التي لا يمكن تجاوزها، كتلك المتعلقة بالحديث عن الإصلاح وتنفيذ القرارات الدولية، بالرغم من أن الجميع يدرك صعوبة الأمر، وهو ما يبرر السعي إلى تأليف حكومة جديدة مهما كان الثمن، وتؤكد أنه فيما لو كانت الظروف متوفرة لانتخاب رئيس جديد، ما كان هناك من داع لمثل هذه الحكومة، خصوصاً أنها ستتحول حكماً إلى حكومة تصريف أعمال.
في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على معادلة تمرير الوقت لبنانياً، بانتظار الوصول إلى تسوية لم تظهر معالمها بعد، بشكل يمنع الوصول إلى الفوضى الشاملة، التي كان يتم التحذير منها في الفترة الماضية، لكن من دون أن يعني ذلك الحلول المنتظرة أو الانفراج المنشود، نظراً إلى أن المسألة لا تزال تحتاج إلى ما هو أبعد من ذلك.